حصيلة تطور الفكر العلمي

مادلين غراويتز/ ترجمة : محمد الطيب قويدري

story

في هذ المقال تقدم مادلين غراويتز حصيلة عن تطور الفكر العلمي، وكما هو معلوم فإن أعمال الأستاذة مادلين غراويتز موجهة نحو الباحثين المتخصصين وأساتذة الجامعات والطلبة المجدين، حصيلة قوية، جامعة، موجزة، هذا المقال يغني أحيانا عن قضاء وقت طويل بين الكتب بحثا عن معلومات قيمة توفرها معاينات الباحثة واستنتاجاتها الثاقبة.

العوائق والعراقيل في وجه تقدم العلوم

لا تتطور العلوم ضمن فراغ اجتماعي. وإذا كانت تؤثر على تقدم العقل الإنساني، وتعدل بنتائجها التقنية الحضارات، فهي تولد في لحظة معطاة من لحظات التاريخ، فتستعمل وسائل التجربة والتفكير التي يمنحها لها عصرها، كما تصطدم -كما سبق لنا القول- بعراقيل وحوجز فلسفية، دينية، سياسية، أو اجتماعية توضع في مواجهتها.

يتعجب البعض من كون الإنسانية قضت كل هذا الوقت الطويل حتى تقوم بدراسة الطبيعة بطريقة علمية. ذلك لأن العقل العلمي الحقيقي هو عبارة -كما لا نكتفي أبدا من ترديده- عن طرح ” الأسئلة الجيدة”. حيث كان الأوائل محرجين من جهة بسبب نقص وسائل الملاحظة لديهم، ومن جهة ثانية وهو الأهم بسبب العراقيل “الإبستيمولوجية” المرتبطة بنمط التفكير الواقعي أو الأنطولوجي للأرسطوطاليسيين، وفي الوقت نفسه فالذهنية البالية، السحرية، أو الخرافية، كانت، كما ينبغي لنا التأكيد عليه، تحول دون الشعور بالحاجة إلى أدوات دقيقة.

قصور وسائل الملاحظة

عند ما يتعلق الأمر بالصعوبات التي عرفت على سبيل المثال في العصر الوسيط، فإننا نستشهد بسلطة الكنيسة، لكن هناك عناصر أخرى شكلت بلا شك وإن كنا أقل دراية بها، عراقيل لا تقل أهمية عن ذلك. هذه العوامل هي من جهة غياب الحساب، لأن استعمال الأرقام العربية لم يكن معمما بعد، ومن جهة أخرى غياب أدوات الملاحظة والقياس[1].

ففي 1647 شكا ميرسان وهو يجري تجارب حول سقوط الأجسام من عدم القدرة على قياس زمن(مدة) السقوط بصورة دقيقة، بسبب عدم تزامن النواس(عقارب الساعة أيضا). 

في العصر الوسيط كان كل فرد يعيش ضمن دقة شديدة النسبية، حتى التاجر الذي عليه أن يحسب ويقيس (يكيل) خارج العمل التجاري الخاضع للأرقام، فالتفكير الحقيقي له طابع فلسفي. وكان ينبغي انتظار ظهور بيكون، ديكارت وباسكال، ليعاد الاعتبار للتجربة وما تتطلبه من صرامة متواضعة.

بالرغم من هذه العراقيل، فقد سجل القرن السابع عشر مع ذلك تقدما معتبرا، كان رمزه غاليلي. فهو مُعادٍ للسحر وبلا شك هو أول من اعتقد أن الأشكال كانت منجزة فعليا في العالم . فالتجريب بالنسبة له سؤال مطروح على الطبيعة بلغة رياضية وهندسية. وأخيرا فقد ابتكر أول الأجهزة العلمية الحقة، المكملة لبحوثه.

العراقيل الفلسفية والاجتماعية. أولوية النظرية على التطبيق.

كما يقول ب..م. شوهل: ” وجود الرق لم يخلق وحسب شروطا مثل، بناء آلات توفر اليد العاملة، التي بدت غير مفضلة من وجهة النظر الاقتصادية؛ بل أوجدت تراتبية خاصة للقيم نجم عنها تجاهل العمل اليدوي والنفور منه. إذ المثالي عند العاقل هو التفكير والتأمل[1]. ” بعد إلغاء الرق فإن العمل وهو علامة إدانة آدم (في الاعتقاد المسيحي)، سيجد صعوبة بالغة لإعادة الاعتبار إليه في أوروبا المسيحية. وينبغي انتظار بيكون لطرح فكرة الإخصاب المتبادل بين التفكير والعمل اليدوي.

– احترام الطبيعة. – يستلزم تذوق البحث العلمي إرادة جعل “الطبيعة موضع سؤال” وإرادة خرقها من أجل تعديلها في النهاية. لأن احترام الطبيعة بوصفها خلق الله يجعل كل تدخل موضع ريبة. يصور هذا التأكيد مثال ليس معروفا مثلما هي إدانة غاليلي، هو اختراع النظارات، أو بصورة أدق العدسات التي بقي استخدامها محرما مدة تزيد عن ثلاثة قرون.

هناك أسطورة تاريخية[2] تجعل اكتشاف النظارات حصل بالمصادفة نحو 1285، من قبل معلم زجاج مسن كان يتفحص اسطوانات من الزجاج، فانتبه إلى أنه عبرها تظهر له الأشياء بوضوح أشد وأكثر صفاء مما كان عليه في شبابه. لكنه اصطدم بمعارضة العلماء، الحذرين دائما من كل ما يتعلق بأوهام النظر. ثلاثة قرون بعد ذلك نجد المعارضة نفسها للنظارات” الأداة الخادعة لا تجعلنا نرى الحقيقة”.

غاليلي الذي يفضل أن يقرأ من كتاب الطبيعة على أن يقرأ كتب معلميه، وليس لديه أحكام مسبقة حول البصريات التي يجهل عنها كل شيء، فَهِمَ منذ 1609 الفائدة من هذه الأداة الجديدة التي طورها ليجعل منها هذه ” الآلة التي تخرق السماء”، والتي بفضلها سيحدث ثورة في علم الفلك باكتشاف: مجرة درب اللبانة، وقمر زحل، وحلقات المشترى. وحطم على الخصوص نظام بطليموس ليعلق الإنسانية بهذا الكوكب الصغير الذي يشبه بقية الكواكب، الأرض.

” كتب غاليلي إلى كيبلر، كم ستضحك إذا ما استطعت سماع الأكثر تقديرا من فلاسفة مدرستنا، يجهدون أنفسهم في إزالة الكواكب الجديدة من السماء بحجج منطقية، وكأنها عبارات سحرية… هذا النوع من الرجال يعتقدون أن الفلسفة كتاب يماثل الإنيادة أو الأوديسة، وأن الحقيقة لا ينبغي أن يبحث عنها في العالم أو في الطبيعة، وإنما بالمقارنة بين الألفاظ[3]. “


[1] (20) ص. 9.

[2] (19) ص. 142-158.

[3] (3 مكرر) ص.8.

Exit mobile version