كثير من الطلبة والباحثين يبدون اهتماما ملحوظا بالظاهراتية، وبعضم مازال حائرا بين كونها اتجاها فلسفيا أو مذهبا، وبين كونها منهجا للتفكير والمقاربة الموضوعية أو العلمية، الفينومينولوجيا تقترن في أذهان الكثيرين باسم الفيلسوف هوسرل من بلجيكا، إذا كنت طالبا فخذ لحظات وحسب هنا لتكوين فكرة عن الموضوع لعلها تنير لك مفاهيم ذات أهمية في الحياة اليومية مثل مفهوم الظاهرة. لهذا كان هذا النص مهما ولهذا يكتسب محتواه و قيمته من الاهتمام الواضح في العلوم الاجتماعية بدراسة ووصف الظواهر.
مادلين غراويتز
ترجمة محمد الطيب قويدري
إدموند هوسرل (1859-1938). – الفينومينولوجيا مذهب فلسفي ابتدعه إ. هوسرل أوائل القرن العشرين في ألمانيا. هي مثل كل المذاهب عبارة عن احتجاج ضد المذاهب السائدة آنذاك في ألمانيا: الكانطية وعلم نفس مدرسة (Würzburg) وارسبورغ. لكن ما يضفي عليها أصالتها هي أنها وهي تعادي المثالية، تقف موقفا معارضا كذلك من التجريبية، المرتبطة بالتقدم العلمي والصناعي
. يأخذ هوسرل على هذين الاتجاهين عدم وفائهما للأشياء. نقطة انطلاق تفكيره حول طبيعة العِلْمِيَّةِ (scientificité )[ طبيعة ما هو علمي]: « كيف يمكن أن يكون هناك “حقيقيٌ” مُدْرَكا من قبل ذاتيةٍ؟ » هي التي قادت هوسرل إلى العثور مرة أخرى على بديهية الذاتية في القصد.
حتى المواد الملتقطة أثناء الملاحظة التجريبية هي مواد مبنية بدلا من أن تكون ببساطة مواد مَعِيشَةً. تريد الفينومينولوجيا لنفسها أن تكون منهج عودة إلى الأشياء نفسها ضمن عمليات وصف، خارج كل مَفْهَمَة [تكوين المفاهيم]. فالأمر يتعلق بـ ” جوهر الأشياء” أو” علم جواهر” ينهض قبل كل شيء على الحدس.
كيف يكون موقع الفرد بالنسبة لهذا الموضوع المَعِيش؟ سيكون هو الوعي القصدي، ” الشعاع الذي يضيء الشيء” كما كتب ج. بيكون[1] G.Pico، لأن ” كلَّ وَعْيٍ هو وعيُ شيءٍ مَا “، كل وعي يرمي إلى شيء ليس هو الوعي نفسه، ولا يمكن أن يكون محتوى ضمن هذا الوعي، إذن فهو متعالي [التعالي عند كانط أخذ معنى السمو من حيث الوجود ومن حيث المعرفة حين تطلق الصور الفكرية إلى ما بعد التجربة].
والذات في مواجهة تعالي الموضوع تكون واعية بالفعل الذي بوساطته تمنح لهذا الأخير دلالة ما.
فعل الوعي هذا الذي يحصل ضمن مركز عملية التقليص، هو خلاصة ما يطلق هوسرل عليه ” الأنا المتعالي” الذي سمح بوصف هذه الفلسفة بالمثالية المتعالية[2].
يفسر تطور أفكار هوسرل بعدم رضاه، وتردده. ولم يحل هذا دون أن يمارس نفوذا عميقا (فينومينولوجيا اللغة، الإرادة، التخيل، الفن) في فرنسا بصورة مخصوصة على م. ميرلوبونتي (1908-1961) الذي كان مُتَابِعَهُ الحقيقي، وعلى أ. شوتز في الولايات المتحدة.
أخيرا فإن الفينومينولوجيا هي أصل النظريات الوجودية المختلفة التي استعادت فكرة سمو المَعِيش، والذّاتي، على البناءات التصورية.
[1] (29) ص.55.
[2] ما يناقشه ميرلوبونتي: ” بعيدا عن أن يكون ما جرى اعتقاده، صياغة فلسفة مثالية، التقليص الفينومينولوجي هو نتيجة فلسفة وجودية.”(19ب.4).