20 بالمائة من جامعات العالم قد تكون قادرة على البقاء؟
20 بالمائة من جامعات العالم قد تكون قادرة على البقاء؟ نتيجة يمكن اعتبارها مؤشرا على وضع الجامعات في العصر المقبل الذي بدأ مع انبثاق سيرورة الذكاء الاصطناعي. 88 بالمائة من طلاب الجامعات يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ويستعينون بنماذجه اللغوية الكبيرة التي تقدم لهم مواد متنوعة، وإجابات على تساؤلاتهم، وعلى المطالب التي عليهم القيام بمهامها. دعنا نستعرض مع لوران ألكسندر، وأوليفيي بابو محاور كتابهما المثير لرود أفعال متباينة.
كيف يمكن تجنب الانقسام الاجتماعي الخطير والتبعية الجيوسياسية في ظل الذكاء الاصطناعي؟
كيفية تجنب الانقسام الاجتماعي الخطير، والتبعية الجيوسياسية في ظل الذكاء الاصطناعي قضايا جوهرية تناولها المصدر وهو كتاب مشترك ألفه لوران ألكسندر، وأوليفيي بابو، تناول على الخصوص الإصلاح التعليمي على مستوى الجامعة، مع الإلحاح على ضرورة التغيير السياسي، ومواجهة التحول الحضاري الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي.
يمكن تناول الحلول المقترحة لتجنب المخاطر المترتبة عن التحول المتسارع على النحو التالي:
أولاً: تجنب الانقسام الاجتماعي والتمزق البنيوي
يؤكد الكتاب أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ابتكار إضافي، بل هو تغيير على مستوى الحضارة، ومن شأنه أن يزيد من الفجوة الاجتماعية إذا لم يتم التكيف معه عبر إصلاحات جذرية.
1. مكافحة “الركون إلى الكسل” (La Paresse) وتعزيز الجهد: إن عالم الذكاء الاصطناعي ليس مصمماً لأصحاب الكسل. الخطر لا يكمن في الآلة، بل في الضعف البشري وقبول الإنسان (المتكاسل) أن تقوم الآلة بكل شيء.
• الجهد المستمر: يجب العمل طوال الحياة، والتعلم المستمر؛ لأن صلاحية المهارات ستكون سريعة الزوال جداً في عصر الذكاء الاصطناعي.
• تشجيع الجيل الجديد: يجب بث ثقافة التفاؤل بين الأطفال، وتشجيعهم على العمل، وريادة الأعمال، وابتكار وظائف وأنشطة جديدة.
• الانضباط الذاتي: يجب التحلي بالانضباط لرفض إغراء الآلة التي تعرض بل تتطوع باستمرار للقيام بكل شيء نيابة عن الفرد.
2. الإصلاح التعليمي الجذري (الاستثمار في العقول البيولوجية): تعتبر الجامعات حالياً متأخرة بالكامل في أساليبها، ولا تعد الطلاب لوظائف المستقبل. بينما يساهم الذكاء الاصطناعي في تضخيم الفجوة بين أولئك الذين يستفيدون منه وأولئك الذين يتم سحقهم وتهميشهم، لذلك يصبح السبيل الوحيد لتقليل هذا الفارق هو مراجعة دور التدريب، والقيام بإصلاح التعليم.
• استخدام الذكاء الاصطناعي كمعلم: يجب أن يكون هدف الإصلاح هو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع لتحسين التعلم. يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي معلماً خاصاً، ومرشدا شخصيا متفوقا مخصصاً لكل طالب بتكلفة هامشية تكاد تكون صفراً.
• التكوين التكميلي: يجب على المتعلمين أن يصبحوا مكملين للآلة، وليس مجرد أذكياء يتحركون وحدهم.
• مهارة الأوركسترا: سيبقى الدور البشري هو المُنظِّم لأدوات الذكاء الاصطناعي. يجب تدريب صنف من الناس على قيادة وتنسيق الذكاء الاصطناعي ليقوموا بتأدية وظيفة قائد الأوركسترا، أو الاضطلاع فيها بوظيفة جزئية محددة ضمن نسق متكامل.
• ثقافة الارتداد: يجب التركيز على تعلم الثقافة العامة، والعلوم الإنسانية، والتاريخ، لأن هذا هو ما يوفر العمق والنظرة النقدية لما تنتجه الآلة.
• مهارات التواصل والقيادة: يجب التركيز على المهارات التي لا تستطيع الآلة إتقانها حالياً، مثل الكاريزما (ربما)، والخطابة، والتواصل الشفهي، والعمل الجماعي، والشبكات الاجتماعية، والقيادة، لأن هذه المهارات ذاتية للبشر وهي مرشحة لأن تبقى وتستمر كمهارات بشرية.
3. المسؤولية السياسية ضد “البَلْقَنَة”: يجب على القادة السياسيين أن يتقنوا مهارات فهم الذكاء الاصطناعي، وأن يطالبوا النخبة السياسية بالكف عن العيش في الماضي.
• الخطر هو حصول فجوة بين عالم من مستويين: نخبة صغيرة تتحكم في الذكاء الاصطناعي، وأغلبية تعيش على دخل شامل (Gods and Useless People).
• يحذر الكاتبان من أنه إذا لم يتم تحديث هيكل التعليم للطبقات الوسطى والشعبية، فسيتم إرسال أبنائهم “مباشرة إلى الهاوية”. ويريان أنه يجب على السياسة أن تقوم بتجديد التعليم لـ تكييف الطبقات الوسطى والشعبية مع “التسونامي” التكنولوجي.
ثانياً: تجنب التبعية الجيوسياسية والاستتباع التكنولوجي
يُعد الذكاء الاصطناعي قضية جيوسياسية محورية؛ فالبلد الذي يسيطر على الذكاء الاصطناعي سيسيطر على العالم ومصير البشرية.
1. فهم ديناميكيات القوة العالمية:
• الاحتكار الثنائي: المنافسة العالمية في الذكاء الاصطناعي هي تقريباً احتكار ثنائي بين الولايات المتحدة والصين. وهما يقدران الولايات المتحدة متقدمة بحوالي 6 إلى 9 أشهر على الصين، لكن الصين قادرة على استدراك أي تأخر.
• التبعية الأوروبية: واقعيا تبدو أوروبا متخلفة تكنولوجياً بشكل كبير، وتعتبر متأخرة بـ 30 عاماً. إنها معرضة لخطر أن تصبح تابعة للولايات المتحدة والصين.
2. إنهاء الهوس التنظيمي (Hyper-regulation): الآثار المترتبة على اللوائح التنظيمية الأوروبية (مثل اللائحة العامة لحماية البيانات RGPD وقانون الذكاء الاصطناعي AI Act) كارثية؛ حيث ساهما بقوة في تدمير قدرات الصناعة الرقمية الأوروبية، ومنعت تدريب الذكاء الاصطناعي.
• الأولوية للإنتاج: يرى الكاتبان أنه يجب على أوروبا أن تتوقف عن هذا “الجنون التنظيمي”. نموذج “الابتكار يليه التنظيم” هو ما يعني إنتاجا للموت؛ أوروبا تهتم بالتنظيم قبل أن تفكر في الإنتاج وتشرع فيه .
• التخلص من النخب غير الكفؤة: من الخلاصات التي تستتبع ذلك: إذا لم يتم استبدال المسؤولين الكبار الذين لا يفهمون الذكاء الاصطناعي، فإن أوروبا تتجه نحو التبعية التكنولوجية، ومن ثم الاستتباع الجيوسياسي.
3. المطالبة بالقيادة “القوية”: يرى أحد المتخصصين أن بروكسل (الاتحاد الأوروبي) تفتقر إلى القوة (“التستوستيرون”)، وأن العالم لا تحكمه الكائنات “المتسامحة اللطيفة” بل الأقوياء.
• فهم القوة: يجب على أوروبا أن تفهم ما هي القوة. فعدم إتقان الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية سيؤدي إلى أن تصبح أوروبا ضعيفة بالكامل.
• تجنب نقل القيم: إذا لم تسترد أوروبا مكانتها التكنولوجية، فإن الذكاء الاصطناعي سيظل ينشر القيم الأمريكية والصينية. استنتاج مؤلم للأوروبيين لكنه تعبير عن واقع مر.
الخلاصة في هذا الباب هي أن تجنب الانقسام الاجتماعي والتبعية الجيوسياسية، يمر عبر بوابة إصلاح التعليم بشكل جذري، لتعزيز المهارات التكميلية والجهد المستمر. في الوقت نفسه، لا تستطيع النخب السياسية الأوروبية أن تستمر دون توقف في ممارسة الهوس بالتنظيم، والاستمرار في العيش بين أسوار الماضي، على هؤلاء تبني استراتيجيات تركز على الإنتاج التكنولوجي، واكتساب القوة في مجال الذكاء الاصطناعي.
——————————————————————————–
تشبيه: يمكن تشبيه الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي بـ مد وجزر عالمي ضخم. لكي تتجنب الغرق (التبعية الجيوسياسية) يجب أن تتعلم بناء سفينتك بنفسك (الإنتاج التكنولوجي بدلاً من التنظيم). ولكي لا يفرق هذا المد بين أفراد مجتمعك (الانقسام الاجتماعي)، يجب أن تدرب جميع الأفراد على استخدام أفضل أدوات الملاحة (إصلاح التعليم وتوجيه الطلاب ليكونوا مُنظِّمين للآلة) ليتمكنوا من ركوب الموجة بدلاً من أن تُسحقهم.
ما هو الدور الجديد للإنسان في ظل الذكاء الاصطناعي؟
الدور الجديد للإنسان في ظل الذكاء الاصطناعي يشكل نقطة محورية، حيث يشير الكاتبان إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور تكنولوجي، بل هو تغيير على مستوى الحضارة، مما يتطلب تحولاً جذرياً في دور الإنسان ومهاراته.
يمكن تلخيص الدور الجديد للإنسان في ظل هذا التحول على النحو التالي:
1. دور المُنسِّق والمُكَمِّل للآلة
يتمحور الدور الأهم للإنسان حول كونه مُكمّلاً للآلة، وليس ذكياً بمفرده كما كان الحال في الماضي.
• مُنظِّم الذكاءات: المهنة الوحيدة التي ستتبقى هي مُنسِّق الذكاءات (chorégraphe des intelligences)، أي الشخص الذي يجمع بين الذكاءات البشرية والاصطناعية ويدير الواجهة بينهما. وهذا يتطلب فهم كيفية تنظيم وقيادة الأنواع المختلفة من الذكاء، والتشكيلات التي تترتب عن التصنيفات المستحدثة.
• القيمة المضافة النقدية: يجب أن يكون الإنسان قادراً على توفير نظرة نقدية لما تنتجه الآلة، لأنها قد تخطئ، ولأنه يجب معرفة كيفية طرح الأسئلة الصحيحة عليها لتقليل أحوال القصور التي ربما تنتابها. كما يتطلب الأمر من الإنسان الكثير من الخبرة والكفاءة للوصول إلى مستوى يمكنه من تحسين عمل الآلة.
• الهدف الجديد للتعلم: لم يعد الطموح هو أن تكون “الأفضل في الفصل”، بل أن تكون “الأول في فهم فئات الآلات” (le premier à comprendre les classes des machines).
2. ضرورة الجهد المستمر ومقاومة الكسل
يؤكد الكاتبان أن هذا العصر الجديد ليس مُعداً للكسالى. فالخطر يكمن في الضعف البشري، والتسليم للآلة بأن تقوم هي بكل شيء.
• التعلم مدى الحياة: النموذج القديم للدراسة لمدة خمس سنوات، ثم العمل، قد مات. يجب الآن العمل طوال الحياة والتعلم باستمرار، لأن صلاحية الكفاءات ستكون سريعة الزوال جداً بسبب الذكاء الاصطناعي.
• الانضباط الذاتي: يجب التحلي بالانضباط لمقاومة إغراء الآلة التي تعرض القيام بكل شيء نيابة عن الفرد. يجب أن يتعلم الإنسان أن يعمل بشكل أفضل مع الذكاء الاصطناعي وليس دونه، مع الحفاظ على عمل الدماغ البشري.
• تجنب الانحلال داخل الحشد الاجتماعي: يجب على الإنسان أن يرفض أن يصبح جزءاً من “الكتلة الكبيرة من الناس الذين لا يفهمون شيئاً” ويعيشون على دخل متماثل. فالقاعدة التي يجب أن تسود هي أن العمل والجهد يمثلان جزءاً من الكرامة الإنسانية.
3. المهارات الأساسية المطلوبة
في الوقت الذي تصبح فيه القدرة المعرفية والذكاء سلعة ذات تكلفة هامشية تكاد تكون صفراً، يجب التركيز على المهارات التي لا تستطيع الآلة إتقانها أو التي تمنح الإنسان العمق اللازم لتكميلها:
| المجال | المهارات المطلوبة | السبب | المصادر |
| العمق المعرفي | الثقافة العامة، العلوم الإنسانية، التاريخ | توفر العمق والمسافة النقدية لما تنتجه الآلة من نصوص، وتمنع “النسخ واللصق” الأعمى. | |
| التواصل والتأثير | الخطابة (Oralité)، القدرة على الإقناع، الشبكات الاجتماعية، العمل الجماعي، الكاريزما (نوعا ما) | هي مهارات اجتماعية وقيادية لا تزال بعيدة عن إتقان الآلة. | |
| المهارات التطبيقية(مؤقتا) | حرف يدوية، رعاية، ربط إنساني، فنون الأداء الحي | تعتبر وظائف قد تكون في مأمن مؤقت، رغم أن الروبوتات البشرية قادمة لتنفيذ الأعمال اليدوية. |
4. تحول دور المهنيين (الأطباء والمعلمون)
حتى في المهن التي تتطلب سنوات طويلة من الدراسة (مثل الطب)، الذكاء الاصطناعي يتفوق على الأطباء المتخصصين في التشخيص بمفرده. لذلك، يجب على المهنيين تغيير دورهم:
• من ناقل للمعلومة إلى مُوجّه: سيتطور دور الأستاذ أكثر ليصبح بمثابة “مُدرب أو مُرشد بشري”، حيث يرافق الطلاب في علاقتهم مع الآلة بدلاً من نقله المعرفة إليهم.
• التعود على استخدام الآلة بكثرة: يجب على المهنيين أن يستخدموا الذكاء الاصطناعي 20 إلى 30 مرة في اليوم ليصبحوا جيدين ومكملين له، وإلا فإنهم لن يتقدموا.
• التعلم من الذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي نفسه أن يكون أفضل مدرس خاص، يستطيع فهم نقاط ضعف المتعلم وتخصيص مسار التعلم له.
في الختام، يتصور الكاتبان أن الدور الجديد للإنسان هو أن يصبح مايسترو يقود أوركسترا من الذكاءات الاصطناعية، بالاعتماد على العمق الثقافي، والمهارات الاجتماعية والقيادية، والقدرة المستمرة على التعلم ومقاومة الميل للكسل، بدلاً من التخصص التقني الضيق الذي يمكن للآلة إنجازه بسرعة أكبر وبتكلفة أقل بكثير.
ما المواد التي تحل محل المهارات التقنية الآن؟
ما المواد التي تحل محل المهارات التقنية الآن؟
لقد تطرق الكاتبان في كتابهما “توقف عن الدراسة” بشكل مباشر إلى موضوع المواد التي تحل محل المهارات التقنية، مؤكدين على ضرورة التحول الجذري في التعليم نظراً لأن صلاحية الكفاءات ستكون سريعة الزوال جداً في عصر الذكاء الاصطناعي.
إن الذكاء الاصطناعي سيجعل المعرفة والذكاء (المادة الرمادية) سلعة ذات تكلفة هامشية تكاد تكون صفراً [7، 15]. وبالتالي، يجب على الطلاب أن يتعلموا ما يكمل الآلة (être complémentaire des machines).
فيما يلي المواد والمهارات التي تُعتبر ضرورية لتحل محل المهارات التقنية الضيقة:
1. الثقافة العامة والعلوم الإنسانية.
يجب على الأفراد التركيز على المجالات التي تمنحهم العمق والنظرة النقدية، وهي ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي إتقانه حالياً بالطريقة البشرية:
• الثقافة العامة والعلوم الإنسانية والتاريخ: يُعد تعلم الثقافة العامة وما يمكن تسميته بـ العلوم الإنسانية والتاريخ أمراً ضرورياً.
• العمق والمنظور النقدي: الفائدة من هذه المعارف تكمن في أنها توفر المعرفة الشاملة (connaissance transversale) التي تمنح الفرد البُعد النقدي (recul) ليواجه ما تنتجه الآلة. هذه الثقافة العامة هي ما يسمح لك باكتساب العمق (l’épaisseur) في مواجهة إنتاج النصوص من الآلة، من غير ذلك ستكون مضطراً للقيام بـ “النسخ واللصق” ولن يكون لديك قيمة مضافة.
• تراجع الحاجة للمعرفة التقنية: من المفارقات أنك لن تحتاج إلى المعارف التقنية (les savoirs techniques) بقدر كبير، لأن الآلة هي التي ستقوم بمعظم هذه المهام.
2. مهارات التواصل والقيادة (المهارات الناعمة)
في ظل الذكاء الاصطناعي، تصبح المهارات التي تنطوي على التفاعل البشري والقدرة على القيادة والتنسيق أمراً محورياً:
• المهارات المركزية: يجب التركيز على مهارات التواصل الشفهي (l’oralité)، والخطابة العامة (la prise de parole en public)، والتعامل الاجتماعي (le savoir-être en société)، والإدارة (le management)، والعمل الجماعي (le travail en équipe).
• بناء الشبكات: القدرة على الحفاظ على شبكة علاقات (entretenir un réseau) والإقناع (convaincre) هي أيضاً من الأمور التي ستبقى أساسية.
• الكاريزما والقيادة: بينما يُعتبر تعليم الكاريزما (le charisme) أمراً محل نقاش، إلا أنه مثل القيادة، يظل شيئاً مركزياً ومطلوباً [10، 11].
3. دور القائد والمُنظِّم (Orchestrator)
الدور الجديد للإنسان في عالم الذكاء الاصطناعي، والذي يتطلب مهارات مختلفة عن المهارات التقنية القديمة، هو دور مُنظِّم الذكاءات (orchestrateur des intelligences) أو “مصمم الرقصات للذكاءات” (chorégraphe des intelligences) [31، 32].
هذا الدور يتطلب معرفة كيفية:
1. قيادة وتنسيق الذكاءات البشرية والاصطناعية.
2. إدارة الواجهة بين الذكاءات الاصطناعية والبشرية.
لذا، فإن التحدي لم يعد هو أن تكون “الأفضل في الفصل”، بل أن تكون “الأول في فهم فئة الآلات” (le premier à comprendre la classe des machines).
لماذا أصبح النموذج التعليمي القديم بالياً؟
لقد أصبح النموذج التعليمي القديم بالياً وميتاً لسبب رئيسي وهو أن الثورة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي (AI) هي تغيير على المستوى الحضاري، ولم تتكيف مؤسسات التعليم العالي مع هذا التحول الهائل [1، 26، 27].
يوضح المصدر عدة أسباب جوهرية لعدم صلاحية النموذج التعليمي الحالي:
1. موت نموذج “الدراسة ثم التوقف عن التعلم”
كان النموذج التعليمي التقليدي يعتمد على الدراسة لمدة خمس سنوات، ثم الحصول على شهادة تفتح الأبواب طوال الحياة المهنية، ثم التوقف عن القراءة. هذا النموذج قد مات [2، 3].
• التعلم المستمر: الآن، يتطلب الواقع الجديد العمل طوال الحياة والتعلم باستمرار.
• الزوال السريع للكفاءات: الذكاء الاصطناعي يفرض تسريعاً لهذه العملية، حيث ستكون صلاحية الكفاءات سريعة الزوال جداً (très rapide).
2. تدني قيمة الشهادات وزوالها
في هذا العصر الجديد، بدأت قيمة الشهادة (الدبلوم) تنهار، والشهادة نفسها ستموت.
• استبدال الشهادة بالكفاءة: سيتم استبدال الشهادة بسرعة كبيرة بـ الكفاءة الفعلية (la compétence).
• تدهور قيمة الشهادات: انتقد الكاتبان بشدة الجامعات التي لم تهضم عملية “التوسيع” (massification)، وبدأت توزع الشهادات كـ “ميداليات الشوكولاتة”، مما أدى إلى انخفاض قيمتها بشكل كامل، خاصة في بعض المجالات.
• نقص التوظيف للناشئين: هناك علامات مقلقة جداً على وجود أزمة كبيرة في توظيف الخريجين الجدد (job apocalypse)، لأن العديد من الدورات التدريبية أصبحت خارج السياق تماماً.
• تحول الشهادات إلى عبء: أصبح الحصول على بعض درجات الماجستير (مثل ماجستير علم الاجتماع) “وصمة عار” على السيرة الذاتية بدلاً من أن يكون ميزة، نظراً لضعف مستوى الطلاب وتدني فرص العمل التي تتناسب مع جهود الدراسة [29، 30].
3. فشل الجامعات في التكيف مع الذكاء الاصطناعي
الجامعات متأخرة بالكامل في أساليبها، ولم تستوعب الثورة التكنولوجية الجارية.
• عدم دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم: لم تقم الجامعات بدمج الذكاء الاصطناعي لتحسين التعليم أو تطوير التوجيه الفردي المخصص للطلاب، أو ابتكار طرق تعليمية جديدة.
• إنتاج غير تنافسي: هي تُعِدّ الطلاب لمهن تغيرت بالكامل. على سبيل المثال، تظهر الدراسات أن الذكاء الاصطناعي (مثل ChatGPT) أصبح أفضل بأربع مرات في التشخيص من الأطباء المتخصصين، مما يثبت أن دراسات الطب فشلت في إعداد الأطباء ليكونوا متكاملين أو قادرين على المنافسة مع الذكاء الاصطناعي [27، 28].
• المادة الرمادية أصبحت سلعة: الشيء الذي كان أندر وأثمن في الماضي – أي المعرفة والذكاء (المادة الرمادية) – أصبح سلعة ذات تكلفة هامشية تكاد تكون صفراً [7، 15]. وبالتالي، لم يعد الهدف هو إنتاج أشخاص “أذكياء وحدهم” بل أشخاص مكملين للآلة [7، 37].
• أزمة النزاهة التعليمية: 88% من طلاب الجامعات الإنجليزية يستخدمون ChatGPT أثناء الامتحانات الكتابية، وهذا يدل على أن الكليات تخفي ضعف مستوى الطلاب وتسمح لهم باستخدام الآلة، مما يفقد العملية التعليمية قيمتها تماماً [40، 41].
يوجه النقد إلى الجامعات لكونها غير مستعدة للتحول الذي يكتسح عالم الوظائف، وخصوصاً للطبقات المتوسطة والشعبية.
• التعليم غير الملائم: إذا لم يتم تحديث هيكل التعليم، فإن الجامعات سترسل أبناء الطبقات الوسطى والشعبية إلى “الهاوية” .
• فقدان القيمة المضافة: يجد الخريجون الجدد صعوبة كبيرة في إيجاد قيمة مضافة لأعمالهم في مواجهة ما تنتجه الآلات، مما سيجعلهم غير مرغوب فيهم في سوق العمل.
باختصار، أصبح النموذج التعليمي القديم بالياً لأنه لا يجهز الطلاب للدور الوحيد المتبقي حسب المؤلفين وهو دور مُنظِّم الذكاءات (orchestrateur des intelligences)، ولا يُعلمهم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي ليكونوا أفضل [31، 37]. بدلاً من ذلك، يستمر في نقل المعرفة التي يمكن للآلة توفيرها بتكلفة مجانية تقريباً، ويهمل تطوير مهارات التعلم مدى الحياة والعمق النقدي المطلوب في هذا العصر [7، 3].

