في ” نتاجية  ” النص، وتعدد القراءات

نقد ودراسة أدبية

في ” نتاجية  ” النص، وتعدد القراءات 2024

د. عيسى قارف

https://ar.wikipedia.org/wiki/

 DOCRTEUR AISSA KAREF
صورة شخصية: عيسى قارف

 أولا: احتمالات القراءة واحتمالات السماع :

النص وتعدد القراءات: من المؤكد أن سياق الجمل وملفوظها حال التلقي يؤثر تأثيرا مباشرا في تمثل المعاني كلما طرأ عليها التغيير مهما بلغت حدته كما أن البنية السانتكسية تتباين على مستوى السماع وهنا تبرز مهارة السماع كموطد أساسي لجهاز التلقي قبل مهارة القراءة .

ومن الملاحظ في الجمل كما في النص لاحقا ان تاثير الصوامت والصوائت يتجلى في نهاية وصول الصورة المكتملة الدلالة حيث أن سماع الملفوظات وتمثل معانيها لا ينحصر فقط في الآلة الفيزيولوجية للسمع ولا لمثيلتها في النطق بالملفوظ،

وإنما يتعدى الى محاولات تفكيك وتركيب البنية الجملية وفق قدرة ومهارة مكتسبة إذ يتم احيانا خداع التلقي بتغيرات طارئة أو تسرع جهاز التلقي في الشروع بالتحويل والتمثل قبل اكتمال النص ، هذا الأخير الذي يتسم غالبا بمرونة فريدة (خصوصا النص العربي )إذا ما تعلق الأمر بخطابات تأويلية غير مسطحة تتجاوز الخطاب التواصلي المعروف.

وهنا نورد بعض الأمثلة التي أعددناها لتوضيح مفهوم الجملة ثم النص وحالات تعدد القراءات ورغم أنها جمل بسيطة جدا إلا أنها وفي مستويات أرقى من أشكال التعبير تتخذ صعوبة بالغة للتلقي – كما في القرآن الكريم مثلا -.

أمثلة لجمل حال التلقي وخداع التلقي :

 1. النسوة يجمعن اللبن

2.الرجال يجمعون اللبن

مبدئيا يبدو شبه التطابق على مستوى دلالتي الجملتين في القراءة الأولى غير انه سرعان ما يحدث التباعد إذا استمر السياق في التعدد سواء بإدخال  الجملتين أو الجمل الممكنة منهما في نصوص وعلى سبيل المثال نورد بعض التغيرات الممكنة اللاحقة :

  1. النسوة يجمعن اللبن في أواني الفخار
    1. الرجال يجمعون اللبن كالفخار

ففي الجملة الأولى تلتصق الصورة الدالة النمطية التي يتم فيها حلب الأبقار والماعز وغيرها من قبل نساء القرية واستعمالهن لاواني الفخار عادة .

بينما يحدث نوع من التمويه على ذهن المتلقي فيما يتعلق بالجملة الثانية ،إذ تجري مجرى الأولى حال السماع ، لكنها تشوش السامع/ القارئ بمجرد ذكر الكاف “كالفخار ” ، وعند قراء آخرين يحدث هذا التململ والشك من البداية أي من لفظة ” الرجال” وهذا بالنظر الى السياق الدلالي الاجتماعي اذ لا يتم هذا العمل في العادة من طرف الرجال،

ويمكن في حال السرد مثلا توسع الدلالة بالاستمرار في القراءة ،وهنا يتجلى مفهوم النصية الذي يقتضي التتالي الجملي ،وكذا النظر الى النص جملة ،حيث بالامكان ان تكون البقية من قبيل :

2-2 النساء يصنعن من اللبن زبدة

 2-3 الرجال يصنعون من اللبن قصورا

فالدلالة الفارقة هنا كما أصبح واضحا هي ” اللبن” ،والتباس الفهم سيحدث لامحالة انطلاقا من تلقي هذه الدلالة ،إذ تلعب الصوائت والصوامت – كما أسلفنا – دورا حاسما في التلقي ،

ويبرز هنا تميز اللغة العربية وانفرادها بمرونة عجيبة تجعل السياقات النصية تشتغل جنبا الى جنب مع مختلف السياقات الاخرى بمافيها الاجتماعية والجغرافية(اللسانيات الجغرافية) وتتحكم في الفهم جملة من المعايير تتسع الى ثقافة المتلقي ومدى إحاطته بالحقول التي أنبتت هذه الدلالات،

ونلاحظ من خلال الأمثلة السابقة أن النص العربي لازال يتسم بقابلية فريدة للإبداع ،وهو ما نتوخاه في الشعريات والسرديات العربية مستقبلا .

حاسي بحبح

ويمكن الإمعان في استنباط مدى قدرة السامع /القارئ  على فهم الجمل السابقة حال التلقي التعليمي والنقل الديداكتيكي بالأخص بإضافة جمل أخرى مثل :

الرجال والنساء يشربون اللبن // فتتحول العلامة الفارقة دلاليا من “اللبن ” الى الفعل الإنجازي “يشربون ” ،ويصبح واضحا على الأقل في هذا الحد الجملي ان الأمر لايتعلق بالبناء ومنه لايتعلق بلبنات البناء مع ان الامر كان يحيل في شطر منه الى هذا المعنى .

ولا تخفى جملة التمييزات التي يحدثها التردد “الفونيمي” 1 ،حيث أنه حال السماع تتشكل الفوارق الصوتية تتبعها كل التغيرات الممكنة في مكونات اللغة إذ ان التقارب المخرجي للفونيمات يشوش بشكل لافت السماع ،

فالفهم، ففي العربية كما في غيرها تتشابه بعض المخارج على أذن المتلقي حال السماع ،

ولهذا يجد بعض متعلمي اللغة صعوبة اكثر إذا كانت الوحدات الصوتية متذبذبة من المصدر2 (هنا المدرس مثلا )،ويكون هذا أكثر التباسا في الترقيق والتفخيم المتقاربي المخرج ، فالترقيق – كما نعلم – اتجاه اللسان الى حافة اللهاة عند الأسنان العليا ، كما في نطق التاء أما التفخيم فاتجاه وسط اللسان الى اللهاة ،كما في نطق الطاء  ،

ونوضح هذا الالتباس بالجملة / “الآية ”  التالية :

” والتين والزيتون وطور سنين “ـــــــــــ والطين …وتور…

بالإمكان سماع “الطين” بدل ” التين” سواء من غلط  المصدر أو المتلقي وكذلك الأمر بين ” طور” وتور .

وكلما زادت المجازات والكنايات صعب التلقي لارتباطه بحدود الجملة فالنص ،إذ وبخلاف اللغة المسطحة التي يتبين نسقها من خلال السياقات والتتالي الجملي، يتعقد الفهم والتلقي باحتمالات التأويل في الأخطبة المتعالية التي تتبنى أدبية نصية منزاحة الدلالات.

ففي المثال السابق” الآية ” يمكن احتمال القسم بالطين كونه -عز وجل – أقسم بالأرض في موضع آخر “… والارض وما طحاها”.

الفونيم أصغر وحدة صوتية تغير المعنى للتوسع في اشكالات  النقل الديداكتيكي والحبسة والخلل الارطوفوني يرجع الى : رومان ياكوبسون وموريس هالة ،أساسيات اللغة،تر: سعيد الغانمي ،المركز الثقافي العربي،2008،ص39الى

ثانيا: تلقي النص من خلال  ” المقاربة النصية  ” :

حين تلقي النص ضمن مقاربة نصية شاملة ،نكون قد سطرنا هدفا يتمثل في ” نتاجية ” هذا النص من خلال ما يبذله المتعلم من جهد لإعادة صياغة النص الثاني انطلاقا مما اكتسبه من مقاربة المستويات اللسانية للنص الأصلي .

ونحن هنا لا نطلب أدبا جديدا ،ف”النتاجية ” ليست بالضرورة أدبا ” جوليا كريستيفا لا ترى أن النتاجية هي النص ولكنها حالة مقارفة للأدب دون أن تكون أدبا ،كما أن قيمة العمل هي القيمة المرتبطة بالعمل وليست القيمة في حد ذاتها “(1)،  

قد ينتج عن هذا التلاقح نص جيد لا يسعنا إخراجه من دائرته النصية باعتباره نتاجية لاحقة ،فلعل كل نص هو ” نتاجية” – على رأي بارث –( 2)”le texte est une productivité”. ورغم التفاوت المفاهيمي إلا أننا من وجهة ديداكتيكية بحتة  نرحب بكافة التعلمات ونواتجها بصرف النظر عن إمكانية تخريج دفعات من الأدباء والكتاب ، أو من المتعلمين الكتبة ، فالغاية أساسا إدراك سيرورة اللغة ضمن فضاءات النص المتشابكة ، وكذا تحويل هذا الفهم والإدراك إلى محاولة محاكاة النص بأي شكل كان ، ولو – مبدئيا – من حيث وظيفية اللغة في إطارها التواصلي ،بحيث يستطيع – مثلا – أقل المتلقين تمثلا للنص واللغة ، ضمن بيئة لغوية ، توظيف هذه المكتسبات للإفصاح عن نفسه ومختلف حاجاته وإذا استعرنا هنا مفهوم “النتاجية ”

فإننا لا نطلقه كما جاء من وجهة نظر الناص والناقد وإنما نحاول إدراجه ضمن التفاعلات والوقائع التي تلقي بظلالها على المؤلف والقارئ معا ، من باب أن ” القارئ  يستطيع بكيفية تقدم على أنها مشروعة ، أن يهتم بالنص وهو يراه يبني لنفسه شيئا خصوصيا ، وأنه مسرح لنتاج  ،حيث يتلاقى (أو يختلط) المؤلف والقارئ “3 ،

لكننا لا نغفل أيضا عن خصوصيات هذا القارئ ،فهوليس “حاذقا ” بالضرورة ،بل قد يكون في فئة عمرية دنيا (كالمتعلم الصغير ،او من متعلمي اللغة الأجانب) ،لهذا تظهر أهمية الإختيار المدروس للنصوص المراد مقاربتها وفق حاجات المتلقي اللغوية واستعداداته التحصيلية المكتسبة  حتى لا نزيده ارتباكا بنصوص فائضة عن حاجاته التعلمية لمرحلة ما .

http://Goals50 المانكورت

الشاعر الدكتور عيسى قارف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. عبد الملك مرتاض،نظرية النص الأدبي ،دار هومة،الجزائر،2007، ص:371

2نفسه ،ص:370،وينظر أيضا للتوسع : R.barthes.op.cit.p998.

Exit mobile version