المنطق والمعرفة.
مادلين غراويتز
ترجمة محمد الطيب قويدري
.- الذات والموضوع. _تكمن نقطة انطلاق العلم في إرادة الإنسان استخدام عقله لفهم ومراقبة الطبيعة. وأول مشكلة يطرحها العلم هنا هي معرفة كيف يكون العلم ممكنا. كيف يقدم ما هو واقع فعلا نفسه إلى تحقيقنا حوله؟ كيف تجد الذات الموضوع، وكيف تعرفه؟ قسم مهم من تاريخ الفلسفة هو عبارة عن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة.
في هذه الواقعة المعيشة: المعرفة نفسها، التفكير قام بفَصَلَ الذات العارفة عن موضوع ما يُطلب التعرف عليه، وأَخضَعَ للتحليل الصلةَ التي توحدهما. الجواب يختلف حسب المصطلح الذي سنفضله: موضوع المعرفة أو الذات العارفة، الكائن أو الفكر، المادة أو الروح (العقل)، المادة أو الوعي. التركيز على هذا أو على ذاك هو ما يميز بين التيارين الكبيرين في الفلسفة: المادية والمثالية.
أن نفضل الذات أو الموضوع، أيا كانت نقطة انطلاق حركة أحدهما نحو الآخر، فسنصل دائما إلى المعرفة بوساطة الفكر لهذا السبب تم في الأغلب تعريف المسعى المنطقي للعقل بأنه دراسة شروط الحقيقة، ” علم العلوم” كما قال عنه أُغسطين.
مثل كل العلوم، ولد المنطق في أحضان الفلسفة، دون حتى أن يكون له تاريخ، حيث أنه حسب كانط “خرج مكتملا من دماغ أرسطو” (384-322). وكان من اللازم انتظار تطورات المنطق الحديث ليتم الاعتراف بمساهمة من سبقوا أرسطو (طالس من ميليتوس، 640-546، فيثاغورس 570-496، زينون الإيلي[من إيليا في جنوب إيطاليا]428-347، وأفلاطون نفسه (القرن5 ق.م) )[ عاش بين 427 – 347 ق.م] ومن جاء بعده من اللاحقين: الرواقيون[الرواقية فلسفة تقول بأن كل شيء في الطبيعة إنما يقع بالعقل الكلي ويقبل مفاعيل القدر طوعا]، وأخيرا مناطقة العصور الوسطى. والحقيقة أن قلة من العلوم عرفت نموا مثيرا للفضول بهذه الدرجة.
يستلزم الاستدلال(البرهان)، وهو أساس المعرفة كما سلف، علاقة معينة بين الذات وبين موضوع من الموضوعات. القول إن سقراط إنسان ي3تطلب موضوعا أو مفهوما (اسما: سقراط)، نشاطا أو حكما من قبل الذات: ” هو إنسان” (تصنيفا، أو وضعا في علاقة)، وأخيرا تفكيرا يكون بنية أو شكلا، رابطا بين الذات القائمة بالتصنيف والموضوع المصنف أو الذي أصبح كميا [أي أعطي حجما أو كما].
نصطدم هنا بعائقين، أولا استحالة معرفة ما إذا كانت هذه البنيات أو الأشكال تنتمي إلى الموضوع، أو إلى الذات أو إلى كليهما، أو إلى العلاقة بينهما، فيستحيل إذن تحصيل يقين حول صلاحية هذه العلاقة (الخصومة بين المثالية وبين المادية)، لكن الأسوأ كذلك هو طرح مشكلة التفكير نفسه، وهو ما يعني صلاحية المنطق. الفكرُ وهو يتساءلُ يتعثر بأسسه الخاصة نفسها.
بالطريقة نفسها، وفي الرياضيات، برهن كورت غودل (1906) [ت1978] في العام 1932 أنه ليس من الممكن البرهان على عدم تناقض الحساب بوسائل هذا الأخير الخاصة. لاجتناب هذه المشكلات غير القابلة للحل لم يتمسك أرسطو سوى ببنيات التفكير، بصلاحيتها، دون أن يقلق بشأن المضمون الصائب أو الخاطئ للقضايا المعروضة أحيانا بحروف (أ، ب، ج).
وكما لا يهتم النحوي سوى باحترام قواعد اللغة دون القلق بشأن المحتوى، فإن المنطقي لا يتمسك سوى بقواعد الانسجام التي تحكم الفكر، ويحصر المنطق إذن في دراسة شروط الحقيقة الشكلية.