مادلين غراويتز
ترجمة محمد الطيب قويدري
يعالج هذا المقال موضوع الإبستيمولوجيا وعلاقتها بالعلم، هل الإبستيمولوجيا هي نفسها نظرية المعرفة ؟ أم هي فلسفة العلوم؟ عالج هذا النص علاقة الإبستيمولوجيا بالمنهج وميز بينها وبين ما تختلط المباحث بينها وبينه، وحاول من خلال التعريفات عقد مقارنات بين مجالات معرفة تتقارب حينا وتتقاطع أحيانا أخرى.
تعريفات: العلم والفلسفة. –
بعد أن تخلى عنها منطق أرسطو شكلت العلاقات بين الذات والموضوع أحد أكبر فصول الفلسفة، سواء بما طرحه أحدهما أو انتمى إلى الثاني، وأخيرا ببنيات أو أشكال الموضوع قياسا إلى أنشطة الذات.
في الأصل كان كلا الفلسفة والعلم مختلطين، والمعرفة والتفكير في المسعى العلمي على عمومه، أو فيما يخص تقدم كل علم من العلوم يقعان ضمن المجال الخاص بالفلاسفة. وقد قاد فصل المجال العلمي إلى حصول انزلاق في دلالة المصطلحات التي وصلت اليوم إلى غموض يثير الأسف. فمصطلحات: نظرية المعرفة، فلسفة العلوم، والإبستيمولوجيا، التي يجري استخدام كل منها للدلالة على الآخر، تستحق منا التدقيق فيما تغطيه أو ما تعبر عنه.
تعالج نظرية المعرفة: مشكلات المعرفة، العلاقات بين الذات والموضوع على المستوى الأعم والأكثر تجريدا.
أما فلسفة العلوم فتغطي تفكيرا ذا طابع عام حول مجمل العلوم وتطورها، وبدءا من اللحظة التي لم يعد فيها الفلاسفة هم من يهتم بالعلم بل العلماء هم من تولى التساؤل حول مسعاهم العلمي الخاص، يثيرون المشكلات الفلسفية مستعيرين من الفلسفة معجمها، فإن هذا سيعكس حتما الاختلاف في وجهات نظر المستخدمين ويفضي إلى تعديلها…والمثال الصارخ عن مثل هذا التطور يزودنا به مصطلح إبستيمولوجيا.
تميزت الإبستيمولوجيا في الأصل عن مصطلح فلسفة العلوم الغامض بدقتها، فحسب لالاند، إنها تشير بدرجة أقل إلى مفهومات عامة للتطور منها إلى «دراسة نقدية لمبادئ، وفرضيات ونتائج مختلف العلوم، الموجهة نحو تحديد أصولها المنطقية، قيمتها ومدى موضوعيتها.» الإبستيمولوجا في معناها الدقيق، هي إذن دراسة نقدية منجزة بصورة بعدية، تتمحور حول صلاحية العلوم منظورا إليها باعتبارها واقعا قابلا لأن نلاحظه، نَصِفَهُ، ونحلِّلَه. والواقع أن هذه الفروق تلاشت، وأن كلمتي الإبستيمولوجيا وفلسفة العلوم هما في الوقت الحاضر تستخدمان في الأغلب كل منهما للدلالة على الأخرى.
ومع ذلك فإن مصطلح إبستيمولوجيا يبقى مستخدما بمعناه الضيق، كلما تعلق الأمر بدراسة لا العلوم على العموم وإنما بدراسة علم بعينه. وهكذا فإن كتاب [تحت إشراف جون بياجي] الثريا (la pléiade) الموسوم المنطق والمعرفة العلمية[1] يضم فصولا عن إبستيمولوجيا الكيمياء أو إبستيمولوجيا المنطق.
بالطريقة نفسها وتحت تأثير تطور التفكير العلمي، ستقوم الإبستيمولوجيا بصورة تدريجية باستيعاب نظرية المعرفة.
وبينما يميز الفرنسي الوفي للاصطلاح الإغريقي بين “gnoséologie” أي نظرية المعرفة بالمعنى العام المجرد والفلسفي للمصطلح، و “الإبستيمولوجيا” أو فلسفة العلوم، فإن الإنجليزي والإيطالي يخلطان بين الإثنين ويقربانهما من المعنى الألماني، الأكثر اتساعا، للفظة (erkenntis theorie) (نظرية المعرفة).
يمكننا إذن الإقرار اليوم بأن الاستخدام يثبت استعمال مصطلح ” إبستيمولوجيا” للتدليل على “نظرية المعرفة” و”فلسفة العلوم” في الوقت ذاته. فهل علينا أيضا أن نبرر استخدام المصطلح بالسياق الذي يستخدم فيه، وأن نكون على وعي بالمنطقة الحدودية بين فروع المعرفة(التخصصات) التي نتطور ضمنها، إننا نلح على هذه النقطة، لأننا ومن بين المصطلحات التي وضعتها الرطانة (jargon) ضمن الموضة السائدة في العلوم الاجتماعية، فإن الإبستيمولوجيا هي من أكثرها استعمالا. إذ أن الذي يسمح للعلوم الإنسانية بالوصول إلى وضع العلم هو هاجس الصرامة وليس الاستخدام المتعسف للمصطلحات العلمية.
[1] (22).