لماذا تزورنا الأحلام؟ وهل يفسرها لنا العلم؟
لماذا تزورنا الأحلام؟ وهل يفسرها لنا العلم؟بناءً على الاكتشافات العلمية الحديثة وحسب تصريحات البروفيسور جان بول تاسان لقناة “منال شو” التي تبث باللغة الفرنسية، هناك أمر واحد على وجه الخصوص لا يمكن القيام به في الحلم، على الرغم من أن الجميع يفعله بسهولة في حالة اليقظة12:
الشيء الذي لا يمكن فعله في الحلم هو القراءة (Lire en rêve)2.
لا يمكنك أن تحلم بأنك تقرأ جملة، مثل “من الخطر الانحناء للخارج” (Il est dangereux de se pencher à l’extérieur)، ولا يمكنك قراءة كتاب في الحلم23.
التفسير العلمي لعدم القدرة على القراءة في الحلم
يرتبط هذا القيد بالآلية التي يتم بها بناء الحلم، وهي عملية انتقال واعية قصيرة ومفاجئة بين حالتي اللاوعي والوعي:
1. آلية الحلم: الحلم هو عبارة عن عبور من اللاوعي إلى الوعي4. يحدث هذا العبور خلال فترة الإفاقات الدقيقة التي يعاد فيها تنشيط الدماغ بشكل مفاجئ5.
2. عملية القراءة المعقدة: تتطلب القراءة عملية معرفية معقدة تتكون من مرحلتين أساسيتين4:
◦ المرحلة التناظرية (Analogique): التقاط الكلمة أو الصورة البصرية للكلمة4.
◦ المرحلة المعرفية (Cognitif): تخزين الكلمة (حفظها)، ثم قراءة الجملة والقدرة على العودة إليها لتحليلها وفهم معناها4.
3. القصور في الحلم: بما أن الحلم هو انتقال أحادي الاتجاه من اللاوعي إلى الوعي، فإنه لا يمكنه العودة إلى اللاوعي مرة أخرى ضمن العملية السريعة لتكوين الحلم4. وبما أن القراءة تتطلب هذا التخزين والعودة إلى الكلمة أو الجملة، فإن هذا غير ممكن خلال فترة الحلم الوجيزة4.
ملاحظة استثنائية (الصور البصرية):
يمكنك في الحلم رؤية صور أو رموز أو حتى كلمة واحدة (مثل “انتباه” attention) أو صيغة كيميائية4. هذا لأن الدماغ يلتقطها كصورة واحدة (إدراك تناظري)، ولكن عندما يتعلق الأمر بقراءة جملة كاملة والاحتفاظ بكل كلمة للربط بينها، يصبح هذا مستحيلاً4.
يُذكر أن الأشخاص الذين يزعمون أنهم قرأوا في الأحلام هم نادرون جدًا، وغالبًا ما يعملون في مجالات مثل الشعر أو القراءة، حيث يكونون قادرين على التقاط عبارة كاملة في “لقطة واحدة”4.
أمر آخر نادر الظهور (الوجه الشخصي)
على الرغم من أن عدم القدرة على القراءة هو الأمر الأكثر تأكيداً، فقد أشار البروفيسور تاسان إلى ملاحظة أخرى نادرة وهي صعوبة رؤية المرء لوجهه الخاص في الحلم6.
قد يرى الشخص شعره أو يديه في الحلم، لكنه نادراً ما يرى وجهه. ويُعزى هذا إلى أن الدماغ يخزن بشكل أساسي ما يراه المرء، وبما أن معظم نشاط الإنسان موجه “نحو الخارج”، فإنه لا يرى وجهه إلا في المرآة، وهي ليست حالة تخزين “مهمة” بالنسبة للاوعي6.
ما الذي يفعله الحلم بالجسم؟ وما الذي يفعله الجسم لصنع الحلم؟
بناءً على الاكتشافات العلمية الحديثة، والتي قدمها البروفيسور جان بول تاسان (Jean-Paul Tassin)، الخبير في علم الأحياء العصبي ومدير الأبحاث الفخري في INCERM، فإن الوظيفة الأساسية للحلم (La fonction du rêve essentielle) هي:
تجنُّب أن نستيقظ فعليًا.
يُفسَّر هذا الدور الحيوي للحلم من خلال الآلية البيولوجية التي تحافظ على استمرارية النوم:
- الحاجة إلى إعادة التنشيط: أثناء النوم، تتوقف الخلايا العصبية التي تفرز الناقلات العصبية مثل النورأدرينالين والسيروتونين تمامًا (خاصة أثناء النوم المتناقض). وبما أن الخلايا العصبية هي خلايا كهربائية، فمن الضروري للغاية إعادة تنشيطها من حين لآخر لتجنب موتها.
- الإفاقة الدقيقة: يؤدي هذا التنشيط الضروري إلى حدوث “الإفاقات الدقيقة” (microéveils)، وهي تحول مفاجئ وبشع من حالة اللاوعي إلى الوعي.
- تخفيف الصدمة: إذا أريد للنوم أن يكون ناجحًا، يجب أن يكون الشخص قادرًا على العودة إلى النوم. الحلم يعمل على “تخفيف الصدمة” (amortir le choc) التي يتعرض لها الدماغ عند هذا الانتقال الحاد من اللاوعي إلى الوعي.
لذلك، فإن الحلم هو بمثابة “حارس النوم” (gardien du sommeil)، حيث يسمح بالعودة إلى النوم ويحمي الدماغ من الاستيقاظ الكامل الناتج عن التفعيل المفاجئ للأنظمة العصبية. إذا كانت الإثارة قوية جدًا (تجاوزت العتبة)، يحدث استيقاظ فعلي، ويعتبر ذلك فشلاً للحلم في أداء وظيفته.
كيف يتكون الحلم الزمني؟
لقد أحدثت الاكتشافات العلمية الحديثة، والتي أبرزها البروفيسور جان بول تاسان، ثورة في فهمنا للبعد الزمني لتكوين الأحلام. على الرغم من أننا نشعر بأن الحلم قد استمر لساعات [2، 19]، فإن التفسير العلمي يؤكد أن الحلم يُبنى في فترة زمنية قصيرة للغاية ومفبركة بطريقة رجعية.
يتكون الحلم الزمني وفقًا للآلية التالية:
1. الإطار الزمني لتكوين الحلم
الحلم ليس ظاهرة طويلة تحدث أثناء النوم العميق (النوم المتناقض)، بل هو نتاج لحظة انتقالية وجيزة للغاية:
- المدة الفعلية: يتم بناء الحلم في فترة قصيرة جدًا، تتراوح تقريبًا بين 500 ملي ثانية (نصف ثانية) وقد تصل إلى ثانية أو ثانية ونصف [18، 19].
- التوقيت (الإفاقات الدقيقة): يحدث الحلم خلال “الإفاقات الدقيقة” (microéveils) التي تهدف إلى إعادة تنشيط الخلايا العصبية المنظّمة التي توقفت عن العمل أثناء النوم [15، 23]. إن عملية الإيقاظ نفسها هي التي تطلق الحلم، وليس مجرد مقاطعته.
2. آلية البناء الرجعي (Retrograde Fabrication)
إن السمة الأكثر إدهاشًا في تكوين الحلم هي أنه يُبنى بشكل رجعي (rétrograde)، أي من النهاية إلى البداية.
- المنبه يحدد النهاية: يعتمد الحلم على منبه خارجي (مثل الضوء، أو جرس الباب، أو قطرات الماء) أو منبه داخلي (مثل الألم أو الإحساس بالبرد [22، 23، 50]). هذا المنبه الذي تسبب في الإفاقة الدقيقة هو ما يشكل المشهد الأخير أو “النهاية” للحلم.
- تصنيع القصة بأثر رجعي: يقوم الدماغ، في جزء من الثانية، بتصنيع القصة الكاملة للحلم التي تسبق المنبه مباشرة. إنه يربط السيناريو بأكمله بالصدمة التي أدت إلى الإيقاظ.
أمثلة على التكوين الزمني الرجعي:
- صدمة البروجكتور: عندما قام البروفيسور تاسان بتجربته، أضاءت زوجته الضوء. هذا الضوء هو الذي أيقظه، لكن الدماغ قام بـ “تلفيق” القصة التي انتهت بوصول ضوء كشاف إليه (Projecteur). تم إنشاء رحلة الصعود إلى المبنى العالي والرياح القوية في أقل من 500 ملي ثانية بعد إضاءة الضوء [19، 21].
- صدمة البرد (حلم موراي): حلم رجل (ألفرد موراي) بأنه يقاد إلى المقصلة وتم إنزال الشفرة. استيقظ ووجد أن رقبته كانت ملتصقة بالعمود المعدني البارد لسريره. قام دماغه بتصنيع الحلم بأكمله (الرحلة إلى الإعدام) بناءً على الإحساس البارد على رقبته.
3. سرعة معالجة الصور
إن القدرة على بناء قصة تبدو طويلة في جزء من الثانية تعود إلى السرعة المذهلة لمعالجة الصور في الدماغ:
- وحدة المعالجة: يحتاج الدماغ إلى 60 ملي ثانية لالتقاط أو تصنيع صورة واحدة (Image) [19، 20].
- القدرة الزمنية: هذا يعني أن الدماغ يمكنه تصنيع حوالي 16 صورة في الثانية.
- تكوين القصة: يمكن لقصة حلم كاملة، والتي قد تتكون من 6 صور (كما في مثال مبنى HLM)، أن يتم تصنيعها في أقل من 500 ملي ثانية. ويُقال أن 16 صورة في الثانية تكفي لإنشاء قصة طويلة ومعقدة تعادل صفحتين من قصص “تنتن” المصورة.
الخلاصة:
بشكل عام، يتمثل تكوين الحلم الزمني في أنه ظاهرة واعية قصيرة جدًا (500 ملي ثانية تقريبًا) تحدث عند الانتقال المفاجئ من اللاوعي إلى الوعي (الإفاقة الدقيقة)، ويتم فيها فبركة القصة بالكامل بأثر رجعي انطلاقًا من المنبه الذي أيقظ النائم [15، 21].
لتوضيح هذا المفهوم، يمكن التفكير في عملية تكوين الحلم الزمني كـ “إعادة تشغيل للفيلم” بعد حدوث النهاية:
إذا كنت تشاهد فيلمًا وانطفأ الضوء فجأة (الإفاقة)، فإن عقلك، في ومضة، يقوم بابتكار سيناريو قصير ومعقد يجعلك تشعر أن انطفاء الضوء كان جزءًا منطقيًا ومبررًا لنهاية القصة، بينما في الواقع، تم تركيب القصة بأكملها استجابة لـ “الصدمة” التي سببها انطفاء الضوء.











