غرائب مدينة سيفار الغامضة

مدينة سيفار الجزائرية: لغز الصحراء بين العلم والأسطورة
الموقع والمساحة: إمبراطورية من الحجر
تقع مدينة سيفار في قلب سلسلة جبال طاسيلي ناجر (“هضبة الثور” بلغة الطوارق) بالجنوب الشرقي للجزائر، على بعد 2,400 كم من العاصمة الجزائرية، بالقرب من الحدود الليبية. تمتد هذه المدينة الصخرية العملاقة على مساحة 89,342 كم² – ما يعادل مساحة دولة الأردن – مما يجعلها أكبر مدينة كهفية في العالم. تضم المنطقة أكثر من 5,000 منزل كهفي ومنحوتة طبيعية، تكشف عن شبكة معقدة من الممرات والكهوف التي تشكل متاهة طبيعية تحت الرمال الذهبية للصحراء.
النظريات التاريخية: من بشري إلى خارق
- النظرية العلمية: يعود تاريخ الاستيطان البشري في سيفار إلى 20,000 عام على الأقل، مع وجود نقوش تعود إلى العصر الحجري الحديث (قبل 8,000 عام). اكتشفها عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي هنري لوت عام 1969 بمساعدة “جبرين” الدليل المحلي من قبائل الطوارق، وسجل فيها أكثر من 15,000 نقش صخري.
- النظريات الخارقة:
- مدينة الجن: يشاع أن الجن بنوها ونقشوا رسوماتها، خاصة مع صعوبة الوصول إليها وتعقيد هندستها.
- الفضائيون القدامى: تفسر بعض النظريات الرسومات الغريبة (كالرؤوس المستديرة وأشكال تشبه رواد الفضاء) كدليل على زيارة كائنات فضائية.
- أطلانتس الصحراء: يربطها البعض بقارة أطلانتس المفقودة بسبب غموضها وقدمها.
سكان سيفار القدامى: عباقرة العصر الحجري
قبل 20,000 سنة، سكن المنطقة شعوب من الصيادين-الجامعين الذين تحولوا لاحقًا إلى مزارعين ورعاة خلال العصر الحجري الحديث. تشير الدراسات إلى أنهم:
- مارسوا الرعي (صوروا الأبقار والزرافات) والزراعة في فترة كانت فيها الصحراء واحة خضراء.
- طوروا نظامًا تجاريًّا مع المناطق المجاورة، حيث وُجدت أدوات حجرية من مصادر بعيدة.
- آمنوا بالحياة الآخرة، كما يتضح من طقوس الدفن (وضعيات جنينية، وأثاث جنائزي من فخار وحلي).
الرسومات الأثرية: متحف الهواء الطلق
تحوي سيفار 15,000 لوحة ونقش صخري، تنقسم إلى:
- الأنواع:
- مشاهد صيد وحيوانات (زرافات، أفيال، أبقار).
- طقوس دينية (مثل “الرؤوس المستديرة” التي تمثل أشخاصًا بأقنعة طقسية).
- مشاهد يومية (رقص، صيد، رعي).
- الغرائب:
- “المريخ” و”الرامي الأسود”: كائنات بشرية بأشكال غريبة.
- “الرؤوس المستديرة”: أشكال بشرية برؤوس دائرية، فُسرت خطأً كفضائيين، بينما هي تجسيد لطقوس دينية.
- رسوم لـ”سفن فضائية” و”أشخاص يرتدون بدلات غطس” – وهي في الواقع تصوير للقوارب وطقوس مائية.
الرأي التقني: هندسة تتحدى الزمن
بينما يروج البعض لنظريات خارقة، يقدم الخبراء في هندسة المنشآت القديمة تفسيرًا تقنيًّا ماديًا:
- التكيف مع الطبيعة: نحت السكان الكهوف في الصخور البركانية باستخدام أدوات حجرية (كوارتز، بازلت) من العصر الحجري الوسيط (الحضارة العاترية). المقارنة مع الأهرامات تظهر أن سيفار أكثر تعقيدًا هندسيًّا بسبب اتساعها وطبوغرافيتها الوعرة.
- تخطيط متقدم: وجود 5,000 منزل كهفي يشير إلى تخطيط عمراني ممنهج، مع تصريف للمياه وصهاريج تخزين، مما يفسر اكتشاف احتياطيات مياه عذبة فيها.
- فن البقاء: الرسومات التي تصور “مخلوقات طائرة” هي في الواقع تمثيل لـالشامان (الكهنة) خلال طقوس دينية، شبيهة بأقنعة أنوبيس في مصر القديمة.
جدول تطور الحضارات في سيفار:
الحقبة الأدوات الإسهام الآشولينية أدوات حجرية بيضاوية صناعة الفؤوس والمناشير الموستيرية شظايا حجرية دقيقة سكاكين ومكاشط العاترية كوارتز وأحجار بركانية أدوات متطورة للصيد والنقش
الخاتمة: بين التراث والعلم
سيفار ليست “مدينة جن” بل شاهد على عبقرية إنسان ما قبل التاريخ. تصنيف اليونسكو لها كتراث عالمي (1982) يؤكد قيمتها العلمية. غموضها يعكس جهلنا بحضارات قديمة كانت قادرة على البناء والتعبير الفني في ظروف قاسية. التفسيرات الخارقة تظل هروبًا من إجابة واحدة: الإنسان قادر على صنع المعجزات حين يتحدى الصحراء بفن وعقلانية.
“طاسيلي ليست غابة صخرية، بل أرشيف بشري منحوت بالصبر والروح.” – هنري لوت .